فصل: تفسير الآيات (45- 46):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (9):

القول في تأويل قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ} [9].
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ} أي: زجِر عن الإنذار والتبليغ بشدة وقساوة، كما يدل عليه صيغة: افتعل.
قال الناصر: وليس قوله {فَكَذَّبُوا} الثاني تكراراً، لأن الأول مطلق، والثاني مقيد. وهو كقوله في السورة {فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} [القمر: 29]، فإن تعاطيه هو نفس عقره، ولكن ذكره من جهة عمومه، ثم من ناحية خصوصه إسهاباً، وهو بمثابة ذكره مرتين. وجواب آخر هنا وهو أن المكذب أولاً محذوف دلَّ عليه ذكر نوح، فكأنه قال: كذبت قوم نوح نوحاً، ثم جاء بتكذيبهم ثانياً مضافاً إلى قوله {عَبْدِنَا} فوصف نوحاً بخصوص العبودية، وأضافه إليه إضافة تشريف، فالتكذيب المخبر عنه ثانياً أبشع عليهم من المذكور أولاً، لتلك اللمحة. انتهى.

.تفسير الآية رقم (10):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ} [10].
{فدعا ربه أني مغلوب فانتصر} أي: غلبني قومي تمرداً وعتواً فلم يسمعوا مني واستحكم اليأس منهم، فانتقِم منهم بعذاب ترسله عليهم.
ثم أشار إلى استجابته تعالى دعاءه: بالطوفان الذي هلكوا فيه بقوله سبحانه:

.تفسير الآيات (11- 16):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} [11- 16].
{فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ} أي: مندفق. وفيه استعارة تمثيلية، بتشبيه تدفع المطر من السحاب بانصباب أنهار انفتحت لها أبواب السماء، وشق لها أديم الخضراء.
{وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً} أي: وجعلنا الأرض كلها كأنها عيون تتفجر {فَالْتَقَى الْمَاء} أي: ماء السماء وماء الأرض {عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} أي: على حال قدره الله وقضاه، وهو هلاك قوم نوح.
{وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} يعني السفينة. أقيمت صفاتها مقامها، لتأديتها مؤداها، وهو من بديع الكلام، كما بسطه في الكشاف.
{وَدُسُرٍ} جمع دِسار بكسر الدال، أو دَسْر كسقف وسقف وهي أضلاعها، أو حبالها التي تشد فيها أو مساميرها.
{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} أي: بمرأى منا. كناية عن حفظها بحفظه تعالى وعنايته. {جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ} أي: كفَر به، وهو الله تعالى، أو نوح وما جاء به، فهو من الكفر ضد الإيمان. أو هو نوح عليه السلام لأنه نعمة كفروها، فهو معتد بنفسه، استعير لنوح النعمة بطريق الكناية، ونسب الكفران تخييلاً أو حقيقة.
{وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا} أي: قصة نوح {آيَةٍ} أي: جعلناها عبرة يُعتبر بها {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}؟ أي: معتبر ومتعظ. وأصله: مذتكر.
{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} أي: عذابي لهؤلاء الكفرة، قومِ نوح، وإنذاراتي بما أحللت بهم، ليحذر أمثالهم وينتهوا عما يقترفونه.

.تفسير الآية رقم (17):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [17].
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} أي: سهَّلناه للادكار والاتعاظ، لكثرة ما ضرب فيه من الأمثال الكافية الشافية {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} أي: فيعتبر بما فيه، ويثوب إلى رشده.

.تفسير الآيات (18- 22):

القول في تأويل قوله تعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [18- 22].
{كَذَّبَتْ عَادٌ} أي: نبيَّهم هوداً عليه السلام، بمثل ما كذبت به قوم نوح {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً} أي: شديد الهبوب، لها صرير، أو باردة، {فِي يَوْمِ نَحْسٍ} أي: شرٍّ وشؤم عليهم {مُّسْتَمِرٌّ} أي: استمر عليهم ودام حتى أهلكهم، أو شديد المرارة لعظم بلائه، {تَنزِعُ النَّاسَ} أي: تقلعهم عن أماكنهم.
{كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} أي: أصول نخل منقلع من مغارسه. وأصل {مُّنقَعِرٍ} ما أخرج من القعر {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} كرره للتهويل وللتنبيه على فرط عتوهم، أي: فكيف كان عذابي لقومه وإنذاري لهم على لسانه؟ {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}؟

.تفسير الآيات (23- 32):

القول في تأويل قوله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ فَقَالُوا أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [23- 32].
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ} أي: بما أنذرهم به نبيُّهم صالح عليه السلام.
{فَقَالُوا أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} أي: جنونٍ، أو عناء. فهو اسم مفرد. وقيل: جمع سعير، كأنهم عكسوا عليه، فرتبوا على اتباعهم إياه ما رتبه على اتباعهم له.
قال الزمخشريّ قالوا: {أَبَشَراً} إنكاراً لأن يتبعوا مثلهم في الجنسية، وطلبوا أن يكون من جنس أعلى من جنس البشر، وهم الملائكة. وقالوا {مِّنَّا} لأنه إذا كان منهم كانت المماثلة أقوى. وقالوا {وَاحِداً} إنكاراً لأن تتبع الأمة رجلاً واحداً، أو أرادوا واحداً من أفنائهم ليس بأشرفهم وأفضلهم، ويدل عليه قولهم {أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا} يعنون: الوحي والنبوة، أي: وفينا من هو أحق بها على زعمهم، لكونه أعزُّ مالاً ونفراً {بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} أي: متكبر، حمله كبره على استتباعنا له.
{سَيَعْلَمُونَ غَداً} أي: عند نزول العذاب بهم، أو يوم القيامة {مَّنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ} أي: المتكبر عن الحق، البطر له.
{إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ} أي: آية وحجَّة لصالح على قومه امتحاناً لهم وابتلاء {فَارْتَقِبْهُمْ} أي: انتظرهم وتبصر ما هم صانعوه بها {وَاصْطَبِرْ} أي: على دعوتهم.
{وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء} أي: الذي يردونه لشرب مواشيهم {قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} أي: مقسوم بينهم، لها شرب يوم، ولهم شرب يوم {كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ} أي: يحضره صاحبه في نوبته. والشرب النصيب من الماء.
ثم أشار تعالى إلى عتوهم عن أمر ربهم بقوله: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى} فتناول الناقة بيده {فَعَقَر} أي: فعقرها وقتلها.
{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} أي: كالشجر اليابس المتكسر الذي يتخذه من يعمل الحظيرة للغنم ونحوها، أو كالحشيش اليابس الذي يجمعه صاحب الحظيرة لماشيته في الشتاء. وقرئ بفتح الظاء، اسم مكان، أي: كهشيم الحظيرة، أو الشجر المتخذ لها. وهو تشبيه لإهلاكهم وإفنائهم، وأنهم بادوا عن آخرهم لم تبق منهم باقية، وخمدوا وهمدوا كما يهمد وييبس الزرع والنبات بعد خضرة ورقه وحسن نباته.
قال ابن زيد: كانت العرب يجعلون حظاراً على الإبل والمواشي من يبس الشوك.
وعن سفيان: الهشيم، إذا ضربت الحظيرة بالعصا، تهشم ذاك الورق فيسقط، والعرب تسمي كل شيء كان رطباً فيبس هشيماً {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}

.تفسير الآيات (33- 40):

القول في تأويل قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ نِعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ وَلَقَدْ أَنذَرَهُم بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [33- 40].
{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً} أي: ملَكاً يرميهم بالحصباء والحجارة، أو ريحاً تحصبهم بالحجارة، أي: ترميهم {إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ} أي: في سحر. أو الباء للملابسة، أو المصاحبة وذلك أنه تعالى أوحى إليهم أن يخرجوا من آخر الليل، فنجوا مما أصاب قومهم. ولم يؤمن بلوط من قومه أحد، ولا رجل واحد، حتى ولا امرأته، وقد أصابها ما أصابهم، وخرج نبي الله لوط عليه السلام وبنات له، من بين أظهرهم سالمين لم يمسسهم سوء.
{نِعْمَةً مِّنْ عِندِنَا} أي: إنعاماً منها، وهو علة لـ: {نَجَّيْنَا} {كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ} أي: فأطاع ربه، وانتهى إلى أمره ونهيه. والشكر: صرف العبد جميع ما أنعم عليه، إلى ما خلق لأجله.
{وَلَقَدْ أَنذَرَهُم} أي: لوط {بَطْشَتَنَا} أي: أخذتنا بالعذاب {فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ} أي: بإنذاراته، تكذيباً له.
{وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ} أي: طالبوه بإتيان الفاحشة معهم، وهم الملائكة الذين وردوا عليه في صورة شباب مُرد حِسان، محنة من الله بهم، فأضافهم لوط عليه السلام، وبعثت امرأته العجوز السوء إلى قومها تعلمهم بأضيافه عليه السلام، فأقبلوا يهرعون إليه من كل مكان، فتلقاهم يناشدهم الله ألا يخزوه في ضيفه، فأبوا عليه، وجاؤوا ليدخلوا عليه، فأعمى الله أبصارهم، فلم يروهم، كما قال: {فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ} أي: يدوم بهم إلى النار.
{ذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} قال الزمخشريّ: فإن قلت: ما فائدة تكرير قوله {فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا} إلخ؟
قلت: فائدته أن يجددوا عند استماع كل نبأ من أنباء الأولين ادّكاراً واتعاظاً، وأن يستأنفوا تنبهاً واستيقاظا، إذا سمعوا الحث على ذلك، والبعث عليه، وأن يقرع لهم العصا مرات، ويقعقع لهم الشن تارات، لئلا يغلبهم السهو، ولا تستولي عليهم الغفلة. وهكذا حكم التكرير كقوله {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13]، عند كل نعمة عدها في سورة الرَّحْمَنِ. وقوله {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: 15] عند كل آية أوردها في سورة المرسلات. وكذلك تكرير الأنباء والقصص في أنفسه، لتكون العبر حاضرة للقلوب، مصورة للأذهان، مذكورة غير منسية في كل أوان. انتهى.

.تفسير الآيات (41- 42):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاء آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ} [41- 42].
{وَلَقَدْ جَاء آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ} يعني موسى وهارون، وجمعها للتعظيم، أو هو جمع نذير بمعنى الإنذار.
{كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا} يعني الآيات التسع، أو الأدلة والحجج التي أتتهم ناطقة بوحدانيته تعالى.
{فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ} أي: عاقبناهم عقوبة شديدٍ لا يغالب {مُقْتَدِرٍ} أي: عظيم القدرة لا يعجزه شيء.

.تفسير الآيات (43- 44):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِي الزُّبُرِ أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ} [43- 44].
{أَكُفَّارُكُمْ} يا معشر قريش {خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ} أي: الكفار المعدودين الذين حلت النقمة حتى يأمنوا جانبها {أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِي الزُّبُرِ} أي: براءة من عقابه تعالى، وأمان منه، مع أنكم على شاكلة من مضى نبؤهم {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ} أي: ممتنع لا يُرام، أو منتصر ممن أراد حربنا وتفريق كلمتنا، أو متناصر، ينصر بعضنا بعضاً. فالافتعال بمعنى التفاعل، كالاختصام بمعنى التخاصم. وإفراد {مُنتَصِرً} مراعاة للفظ {جَمِيع} لخفة الإفراد، ولرعاية الفاصلة.

.تفسير الآيات (45- 46):

القول في تأويل قوله تعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [45- 46].
{سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} يعني جمع كفار قريش {وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} أي: يولون أدبارهم المؤمنين بالله عند انهزامهم. وإفراد {الدُّبُرَ} لإرادة الجنس، أو رعاية الفواصل، ومشاكلة قرائنه. وقد وقع ذلك يوم بدر، وهو من دلائل النبوة؛ لأن الآية مكية، ففيها إخبار عن الغيب، وهو من معجزات القرآن.
{بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ} قال ابن جرير: ما الأمر كما يزعم هؤلاء المشركون من أنهم لا يبعثون بعد مماتهم، بل الساعة موعدهم للبعث والعقاب.
{وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} أي: أعظم داهية، وهي الأمر المنكر الذي لا يهتدى لدوائه. وأمرّ مذاقاً، أو أشد عليهم من الهزيمة التي سيهزمونها، إذا التقوا مع المؤمنين للقتال.

.تفسير الآيات (47- 48):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} [47- 48].
{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ} أي: عن الحق في الدنيا {وَسُعُرٍ} أي: نيران في الآخرة.
وقال القاشانيّ: أي: في ضلال عن طريق الحق، لعمى قلوبهم بظلمة صفات نفوسهم. و{سُعُرٍ} أي: جنون ووله، لاحتجاب عقولهم عن نور الحق بشوائب الوهم، وحيرتها في الباطل.
{يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} أي: يجرّون عليها.
{ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} أي: حرّها وألمها. والاستعارة في المس تحقيقية. أو في {سَقَرَ} مكنية، وفي المسّ تخييلية. أو المس مجاز مرسل بعلاقة السببيّة للألم. واستعارة الذوق مشهورة، واستعمال الذوق في المصائب بمنزلة الحقيقة. و{سَقَرَ} من أسماء جهنم، أعاذنا الله منها.

.تفسير الآية رقم (49):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [49].
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} أي: بمقدار استوفى فيه مقتضى الحكمة، وترتب الأسباب على مسبباتها، ومنه خلق دار العذاب، لما كسبت الأيدي، وإذاقة ألمها جزاء الزيغ عن الهدى. وهذه الآية كآية {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان: 2]، وآية {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى: 1- 3]، أي: قدر قدراً، وهدى الخلائق إليه. ولا مانع أن تكون هذه الآية وما بعدها إلفاتاً لعظمته تعالى، وكبير قدرته، وأن من كانت له تلك النعوت المثلى لجدير أن يعبد وحده، ويرهب بأسه، ويتقى بطشه، لاسيما وقد صدَع الداعي بإنذاره، ومن أنذر فقد أعذر.